جيهان بن عزيزة
إذا ما أردت أن تستكشف التاريخ ويعود بك الزمن الى القرن الثامن قبل الميلاد فهاهي "شمتو" ومتحفها الذي يعد من أحسن المتاحف في الجمهورية التونسية تمنحك هذه الفرصة ويمكن أن تصل إليها عبر الطريق 17 الرابط بين ولاية جندوبة وطبرقة من الشمال الغربي للبلاد التونسية ثم الطريق 59 الرابط بين مدينة بوسالم وغار الدماء في اتجاه الشوشية ثم عبر عين الكسير ثم "شمتو" وهي المحطة الثانية للزيارة الميدانية التي منحتها وكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية لفريق من الصحيين والإعلاميين من كافة الوسائل الاعلامية التونسية والعالمية
تحت إشراف وزارة الشؤون الثقافية بالتعاون مع المعهد الوطني للتراث والمندوبية الجهوية للشؤون الثقافية بجندوبة لدعم اللامركزية الثقافية وتثمين التراث الثقافي بشقيه المادي وغير المادي والتعريف بخصوصياته الجهوية والمحلية وتثمينها وتجسيما للاتفاقية المبرمة بين وزارة الشؤون الثقافية والنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين وتهدف هذه الزيارة المؤطرة الموجهة للصحفيين إلى الترويج للمواقع الأثرية والتعريف بالتراث الثقافي والحضاري لولاية جندوبة وإبراز الخصوصيات الجهوية والمحلية والمعارف والمهارات المرتبطة بها .
ثورة تاريخية
"لم يكن لمدينة شمتو صيت لدى المؤرخين الإغريق والرومان" يقول الباحث محي الدين الشوالي أستاذ بحوث ومتفقد جهوي بالشمال الغربي بالمعهد الوطني للتراث الذي رافقنا خلال الزيارة الميدانية ويضيف "هي الآن معروفة أكثر فأكثر بفضل الأعمال الأثرية إذ كشفت الأبحاث الأثرية الحديثة عن آثار تعود إلى القرن الثامن قبل الميلاد على أقصى تقدير وبالتالي على عكس الاعتقاد الشائع لم يتم بناء المدينة بسبب وجود تلال رخامية حيث تم بناءها قبل منتصف القرن الثاني قبل الميلاد وهو أول تاريخ استغلال الرخام النوميدي ".
خلال الفترة النوميدية تعرفنا على المساكن معبد تم تشييده في عهد الملك "ميقبسا" بين 148 و118 قبل الميلاد فوق الجزء العلوي من الهضبة المقدسة كما عثر على مقبرة هامة تتكون من "بزينا " أي مقبرة مستديرة الشكل ومقابر ذات الشكل المربع جميع هذه الاكتشافات قدمت معلومات قيمة عن التاريخ النوميدي وانفتاح هذه الحضارة على بقية حضارة البحر المتوسط .
ارتقت هذه المدينة إلى رتبة المستعمرة الرومانية بين السنوات ال27 و14 قبل الميلاد كانت توجد بشمتو حمامات وحنايا بطول 14 كم وساحة عمومية وحنفية ضخمة وخزانات وقنطرة شيدت سنة 112 ميلادي ومسرح دائري ومسرح ومعبد غير مسمى وهضبة مقدسة حيث يوجد معبد الآلهة "ساتورن" ونصب نذرية مصقولة على الصخر ومعبد الآلهة "تانيت" السماوية وآخر للآلهة البربرية كما شيدت أيضا "بشمتو" طاحونة لرحي الحبوب تشتغل بالطاقة المائية وسوق وكنائس وثكنة سجن تبلغ مساحتها 20الف متر مربع تحتوي على سجن لإيواء العبيد والمحكوم عليهم بالأشغال الشاقة الذين كانوا يعملون بالمقاطع وثكنة للجنود وفضاء للمصالح الإدارية التي كانت تسهر على حسن استغلال المقاطع إضافة إلى حمامات كما يحتوي هذا المبنى على ورشات لصنع مختلف الأدوات والتحف الرخامية .
حضارة نوميدية
متحف" شمتو" الأثري وقع بنائه بين سنة 1993و1997 وهو من أحسن المتاحف للبلاد التونسية والضفة الجنوبية للمتوسط هو ثمرة تعاون الأبحاث الأثرية التونسية الألمانية التي بدأت سنة 1965 ولا يزال متواصلا الى اليوم بين المعهد الوطني للتراث والمعهد الألماني للآثار بروما والتي مكنت من التعرف عن عديد الخصوصيات للمنطقة منها مقاطع الرخام والتاريخ النوميدي ل"شمتو" وإعادة اكتشاف معبد نوميدي كان مشيدا على قمة جبل بورفيفة .
ويشير الباحث محي الدين الشوالي الى أن آخر الأبحاث الأثرية في "شمتو" أدت الى اكتشاف قطع خزفية ترقى الى القرن الثامن قبل الميلاد وهو ما يعد ثورة في التاريخ النوميدي لأننا نعلم عن تاريخ "قرطاج" نهاية القرن التاسع قبل الميلاد وعن مدن مثل "اوتيك" ولكن التاريخ النوميدي يبقى غير معروف داخل المدن التونسية وأدت الحفريات الى اكتشاف التاريخ النوميدي والأصول البربرية للبلاد التونسية وقع تخصيص قاعة لتثمين التاريخ النوميدي ولجدودنا البربرية للشواهد الأثرية للتاريخ البربري للبلاد التونسية .
وعلى الرغم من أن المتحف يعد من أحسن المتاحف في الجمهورية التونسية إلا أن عدد الزيارات للسياح لا يرتقي الى مستوى أهميته وهي من الهنات التي وجب تداركها من كل الوزارات إن كانت وزارة الشؤون الثقافية أو السياحة والصناعات التقليدية ولمن يرغب في زيارة هذا المتحف الزاخر بالتاريخ فانه يتمتع بزيارة مجانية آخر احد من كل شهر علاوة على انه مفتوح للعموم بمقابل كامل أيام الأسبوع ما عدى أيام الأعياد الدينية .
ويعتبر موقع "بولاريجيا" و"شمتو" علاماتان مضيئتان لجهة الشمال الغربي وفق لما أكده احمد الشوباني المندوب الجهوي للشؤون الثقافية بولاية جندوبة في تصريح لل"الصحافة اليوم" بالإضافة الى البرج الجنوي بطبرقة ومناطق أخرى موجودة في "شمتو" في سيدي بلقاسم ولكن بأقل أهمية وتستعد الجهة الى تنظيم عدد من التظاهرات في سياق الاحتفال بشهر التراث أين يستقبل الموقع الأثري والمتحف ب"شمتو" عدد من الزيارات المنظمة العائلية أو الفردية خاصة وان شهر التراث يتزامن مع العطلة المدرسية والجامعية .
وأوضح احمد الشوباني أن المندوبية الجهوية للثقافة بولاية جندوبة كانت قد أعربت عن طلب ملح ألا وهو إنشاء متحف لموقع "بولاريجيا" من اجل عرض اللوحات الفسيفسائية التي وقع اكتشافها بالموقع اذ من غير المعقول أن تبقى تلك اللوحات الفنية الرائعة مغمورة دون عرضها للزائرين اذ سيسمح المتحف من دفع الحركية بالجهة واستغلاله من اجل تنشيط مختلف معتمديات الولاية خاصة وانه سيجري إقامة دار ثقافة بالمكان وبالتالي استغلال الفضاء أو الموقع الأثري بكل ما تزخر به من صناعات تقليدية وتراث غذائي ثري ومن خلال الورشات الحية يشارك فيها الزائر كما أعرب المندوب الجهوي للشؤون الثقافية عن رغبة المندوبية في فتح أبواب المتحف الأثري ب"شمتو" خلال شهر رمضان وإضاءته على غرار ما تم في العديد من المتاحف بالجمهورية خاصة وان الوضع الأمني يسمح بذلك مع توفر الأعوان الذين يؤمنون عملية حراسة المتحف .