الانقطاعات المتكررة للكهرباء تكدر صيف التونسيين

الانقطاعات المتكررة للكهرباء تكدر صيف التونسيين

 

 

 

أحدث انقطاع التيار الكهربائي في كثير من مناطق تونس غضباً واستياء، بحكم توازي ذلك مع ارتفاع قياسي في درجات الحرارة، وأثارت الانقطاعات المفاجئة والمتكررة تساؤلات واسعة بين التونسيين، في وقت نفت الشركة التونسية للكهرباء والغاز (حكومية) أن ذلك يرجع لأعطال تقنية، قائلة أن ذلك خطوة استباقية مدروسة من قبل الشركة لتجنب ما وصفته "بالانهيار الشامل في الشبكة نتيجة بلوغ الاستهلاك مستويات قياسية فاقت قدرة التحمل"، إذ تسبب ارتفاع درجة الحرارة وتشغيل المكيفات والأجهزة الكهربائية بصورة مكثفة ومتزامنة في ضغط هائل على شبكة الكهرباء.

وتابعت الشركة أنه لمنع حدوث انهيار الشبكة لجأت إلى تنفيذ قطع مبرمج ومحدود في بعض المناطق، في إطار خطة وقائية، ودعت إلى ترشيد استهلاك الكهرباء خلال ساعات الذروة في خطوة تضامنية لتخفيف الضغط عن الشبكة الوطنية.

وتوفر الشركة الحكومية التيار الكهربائي المستخرج رأساً من الغاز، وأثرت أسعار الغاز في السوق العالمية في كميات الإنتاج.وينقسم الغاز المستورد من الجزائر إلى الإتاوة المتأتية من مرور أنبوب الغاز الجزائري نحو أوروبا ومقتنيات مباشرة، لكن لجأت تونس في السنوات الأخيرة إلى استيراد الكهرباء الجاهز نتيجة لارتفاع كلفته والزيادات المتواترة في سعر الغاز.

 

زيادة الواردات من الكهرباء

 

وبلغ إنتاج الكهرباء في تونس حتى نهاية مايو (أيار) الماضي نحو 7065 غيغاوات/ ساعة بما فيها الإنتاج الذاتي من طريق الطاقات المتجددة، مسجلاً شبه استقرار مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وقد اعتمدت بصفة شبه كلية على الغاز الطبيعي لتوليد الكهرباء، إذ تقدر مساهمته بـ 94 في المئة وفق ما كشف عنه المرصد الوطني للطاقة (حكومي).

وقد شهد إنتاج الغاز التجاري الجاف في الفترة نفسها تراجعاً بخمسة في المئة مقارنة بالأشهر الخمسة الأولى من عام 2024، وبلغ نحو 0.47 مليون طن مكافئ نفط في مقابل 0.5 مليون طن مكافئ نفط، ويعود هذا أساساً لتواصل الانخفاض في إنتاج أهم الحقول التونسية وغياب الاكتشافات الجديدة أو الحفر.

ومما فاقم نقص الموارد انخفاض كميات الإتاوة من مرور أنبوب الغاز الجزائري بـ 18 في المئة، لتبلغ 335 ألف طن مكافئ نفط في مقابل 408 آلاف طن مكافئ نفط، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، في وقت عرفت المقتنيات من الغاز الجزائري زيادة بـ 24 في المئة بحجم 1056 ألف طن مكافئ نفط.

وبلغ طلب الاستهلاك على الغاز الطبيعي1.8  مليون طن حتى عام 2025، مسجلاً بذلك ارتفاعاً بسبعة في المئة، فيما زاد الطلب على الغاز لإنتاج الكهرباء ثمانية في المئة، وتبلغ حصة الطلب لإنتاج الكهرباء حوالى 66 في المئة، علماً أن استهلاك الغاز في بقية القطاعات ارتفع خمسة في المئة.

 

 

 2.2 مليون طن مكافئ من العجز

 

إلى ذلك زاد عجز الميزان الطاقي بصورة عامة 12 في المئة خلال الأشهر الخمسة الأولى من عام 2025 وبلغ  2.2 مليون طن مكافئ نفط، وانخفضت نسبة الاستقلالية الطاقية لتستقر عند 39 في المئة مقارنة بـ45 في المئة حتى مايو 2024، إذ بلغت الموارد التونسية من الطاقة الأولية المتكونة من الإنتاج المحلي والإتاوة من الغاز الجزائري 1.4  مليون طن مكافئ نفط، مسجلة بذلك انخفاضاً بتسعة في المئة مقارنة بنهاية مايو الماضي، بسبب انخفاض الإنتاج المحلي من النفط والغاز الطبيعي، بينما زاد الطلب الإجمالي على الطاقة الأولية ثلاثة في المئة ليبلغ 3.7 مليون طن مكافئ نفط، وانخفض الطلب على المواد البترولية واحداً في المئة في مقابل ارتفاعه على الغاز الطبيعي سبعة في المئة.

وتزامن انخفاض الصادرات من حيث القيمة المالية بـ 36 في المئة بتراجع في الواردات نسبته 12 في المئة، مما خفض عجز الميزان التجاري الطاقي أربعة في المئة وبلغ 4.3 مليار دينار (1.4  مليار دولار) في مقابل 4.5 مليار دينار (1.55 مليار دولار)، فيما لم تتجاوز نسبة تغطية الصادرات للواردات 18 في المئة.

من جانبه فسر المتخصص في شؤون الطاقة لدى البنك الدولي عز الدين خلف الله تراجع إنتاج الكهرباء في تونس بانخفاض موارد الغاز، موضحاً لـ "اندبندنت عربية" أن وفرة محطات الكهرباء للشركة الوطنية لا تعني بالضرورة الإنتاج الكافي من التيار الكهربائي، بل تحتاج الغاز المادة الأولية للتوليد.وأشار خلف الله إلى أن لدى تونس نقصاً في إنتاج الغاز لتغذية محطات التوليد الوطنية، إضافة إلى تراجع إنتاج الغاز منذ أعوام مع انخفاض إنتاج الحقول القديمة.

اقرأ المزيد

 

 

وتتنوع موارد الغاز بين المحلي والمستورد من الجزائر، وتنقسم واردات تونس من الجزائر إلى ثلاث أصناف وهي المتأتي من الإتاوة وتمثل 15 في المئة، والمشتريات بـ 50 في المئة، وفق العقد المنظم لها، ثم الكميات الإضافية التي اقتنتها تونس في السابق خارج العقد الموقع بين البلدين.

وأكد خلف الله أن "الأزمة تتمثل في توقف هذه الشراءات الإضافية مباشرة بعد اندلاع الحرب الأوكرانية - الروسية على خلفية ارتفاع الأسعار والتزامات الجزائر الجديدة مع بلدان الاتحاد الأوروبي، مما أدى إلى توقف تونس عن التزود بالكميات الإضافية من الغاز واقتناء التيار الكهربائي الجاهز بصفة مباشرة من الجزائر بسبب ارتفاع كلفة توليده".

وعن الانقطاعات قال خلف الله إن "ذروة الاستهلاك بسبب تشغيل المكيفات دفع شركة الكهرباء إلى انتهاج تقنية توزيع الأحمال لتخفيف الضغط على الشبكة بقطعها لفترات قصيرة عن مناطق مختلفة"، مشيراً إلى أنها حلول معمول بها عالمياً وتظل ظرفية في انتظار الزيادة في إنتاج الكهرباء من موارد أخرى ومنها الطاقات المتجددة، وهي توفر التيار الكهربائي حالياً لكن بكميات متواضعة، إذ لا يزيد إنتاج  المشاريع المشغلة حالياً على 700 ميغاوات، لافتاً إلى أن تلك الكمية تعد طاقة ضعيفة وفي انتظار دخول مشاريع أكبر من حيث الإنتاج حيز التشغيل في الفترة القريبة المقبلة على غرار المحطة الفوطو-ضوئية بالقيروان بقوة 100 ميغاوات ومحطتي سيدي بوزيد وسط تونس وتوزر في الجنوب بقوة 100 ميغاوات مجتمعتين.

وتنكبّ الشركة التونسية للكهرباء والغاز في الوقت الحالي على تطوير شبكتها، إذ تفتقر الشبكة القديمة إلى محولات بالقدرات اللازمة لامتصاص الإنتاج المرتفع المنتظر من الطاقات المتجددة، علاوة على العمل على الرفع من قدرات خطوط نقل التيار الكهربائي من الجنوب الذي يحوي المحطات الفوطو-ضوئية[AM1]  الكبرى إلى الشمال، إذ توفر الخطوط الحالية قدرات متواضعة للغاية في الوقت الراهن عاجزة على نقل ما يتجاوز الـ 500 ميغاوات.

 

ماذا ستقدم مشاريع الطاقة البديلة؟

 

وتابع خلف الله أن "الشركة التونسية تحصلت على تمويلات من البنك الدولي في هذا الصدد، وينتظر أن تخفف مشاريع الطاقة البديلة من العجز في انتظار دخول خط الماد، هو مشروع الربط الكهربائي بين تونس وأوروبا من طريق إيطاليا الذي يهدف إلى تبادل الطاقة الكهربائية"، كاشفاً عن أن "انطلاقه المشروع ستكون عام 2028 في حال تواصل الأشغال من دون تعطيل".

وفي هذا الإطار قال المتخصص في الشأن الاقتصادي شكيب مصطفى، إن "تونس حققت قفزة في مجال الطاقات المتجددة في محاولة للضغط على العجز الطاقي، إذ إنها لم تتجاوز خمسة في المئة من إنتاج الكهرباء من الطاقة الخضراء، في حين أن الإستراتيجية الوطنية في هذا المجال ترنو إلى تحقيق 35 في المئة عام 2030 على رغم المشاريع والمجهودات القائمة"، معتبراً أن نسق سير المشاريع بطيء ولم تنفذ كثير من الوعود بمشاريع ضخمة للطاقة الشمسية والتي أعلنها منذ عام 2018 وحجمها 500 ميغاوات، ونُفذ منها مشروعان وحسب، مشيراً إلى أن "التمويلات وآلية اللزمات مثلتا عائقاً أمام المشاريع المعروضة".

 

 عن اندبندنت عربية

 بقلم انتصار عنتر

 

Image