كيف حافظ "أوبك+" على استقرار النفط وسط اضطراب الأسواق؟

كيف حافظ "أوبك+" على استقرار النفط وسط اضطراب الأسواق؟

في أسواق الطاقة تحدث تحولات بسبب ما يجري في العالم من اضطرابات سياسية وعسكرية.

وبالنظر إلى الدور التاريخي التي قامت وتقوم به منظمة "أوبك"، فإن ما مر عليها من ضغوط متعددة من اتجاهات متفرقة، يجدر بنا أن نقف في تحليل حول ما تمثله المنظمة في دور استقرار النفط والأسواق.

هناك عديد النتائج نجمت عن الاضطرابات في السوق منذ 2022، من اضطراب البحر الأحمر وما يحدث في طرق التجارة العالمية وارتفاع التضخم العالمي، وأخيراً الحرب في غزة، وكل تلك العوامل أججت المخاوف في شأن الإمدادات بسوق النفط، لكن في وجه كل ذلك بقيت "أوبك" ضامناً رئيساً في السوق واستقراره، ولعل التقرير الصادر حديثاً من باحثين، يشير إلى أن إعلانات المنظمة قد تسهم في تخفيف التقلبات، بل إن قراراتها دفعت المتداولين في السوق إلى إعادة موازنة مراكزهم.

وتشير الدراسة التي جاءت تحت عنوان "الأسباب وراء الكلمات: روايات أوبك وسوق النفط"، إلى أن المتعاملين في السوق يعتبرون بيانات "أوبك" مصدراً مهماً للمعلومات في سوق النفط الخام.

وتقدم هذه الدراسة دليلاً على أن بيانات "أوبك" تلعب دوراً مهماً بالتأثير في سوق النفط الخام، من خلال الحد من التقلبات وتوجيه قرارات المشاركين في السوق.

وحللت الدراسة، تأثير بيانات المنظمة في سوق النفط الخام، وبحثت في مدى تأثيرها، ولتحقيق ذلك، طور "الفيدرالي" منهجية إحصائية تقيس قوة تقارير "أوبك" العلنية وتختبر مدى صدقيتها لدى المشاركين في السوق.

وأفادت الدراسة "باستخدام النماذج الهيكلية، قمنا بتحليل بيانات ’أوبك‘ وتمكنا من تحديد مواضيع مرتبطة بالعوامل الأساس التي تؤثر في سوق النفط، مثل الطلب والعرض والمضاربة".

وباعتبارها الكيان الرائد في أسواق النفط، تشارك منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" المعلومات بانتظام من خلال إصدار البيانات، ويتمثل هدف المنظمة في "تنسيق وتوحيد سياسات البترول لدول الأعضاء وضمان استقرار أسواق النفط، ويمكن أن يكون لسوق النفط الخام الذي يعمل بشكل جيد آثار إيجابية في الاقتصاد العالمي والتضخم".

وشددت الدراسة على أن النفط الخام له أهمية بالغة على كل من الاقتصاد الحقيقي والأسواق المالية، وإضافة إلى المواضيع الواضحة في تقارير "أوبك" مثل "الأسعار" و"نقص النفط" و"النمو الاقتصادي"، توجد مواضيع تتعلق بـ"تغير المناخ" و"سياسات الطاقة".

 

الأخطار المرتبطة بالمناخ

وقالت الدراسة "هذا ليس مفاجئاً، لأن تغير المناخ والأخطار المرتبطة بالمناخ لها آثار مباشرة (أي سياسات جديدة للحد من انبعاثات الوقود الأحفوري) وغير مباشرة (أي تقنيات جديدة) على الدول المنتجة للنفط"، إضافة إلى أن "دراسة تأثير الأخطار المرتبطة بالمناخ، بالتالي تأثيرها في سوق النفط الخام، يعد أمراً بالغ الأهمية لصناع القرار والمشاركين في السوق والجمهور بشكل عام".

وقال "الفيدرالي" إن "نتائجنا تظهر أن تغير المناخ موضوع مهم في بيانات منظمة أوبك".

تعديل سياسة الإنتاج

 

في هذا الصدد أكد وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان أن تحالف "أوبك+" مستعد لتعديل سياسة إنتاج النفط في أي وقت، مشيراً إلى أن بيانات المنظمة دقيقة دائماً في شأن الإنتاج.

كلمة وزير الطاقة جاءت خلال مشاركته في افتتاح فعاليات المؤتمر الدولي لتكنولوجيا البترول 2024 في مدينة الظهران، إذ قال إن السعودية تحترم قرارات منظمة الدول المصدرة للنفط، وعلى الدول المنتجة للنفط الالتزام بالإنتاج اليومي المحدد، مضيفاً أن "مهمتنا في ’أوبك‘ أن نكون منتبهين لأي تحركات في السوق، ونحن مستعدون للزيادة أو النقصان في أي وقت مهما كانت مقتضيات السوق".

وأكد وزير الطاقة السعودي أن الرياض حريصة على أن تكون إمدادات الطاقة العالمية آمنة ومستقرة، مجدداً أيضاً القول إن "المحافظة على استقرار الإمدادات ليست مسؤولية السعودية وحدها، بل هي مسؤولية ’أوبك‘ وكل الدول الأخرى المنتجة للنفط".

 

دور مؤثر ومحوري

 

من جهته أفاد المحلل النفطي الكويتي كامل الحرمي بأن تقرير "الفيدرالي" الأميركي يظهر الدور المؤثر لمنظمة "أوبك" في تحقيق الاستقرار للأسواق العالمية، مضيفاً أن التقرير توصل إلى أن المتعاملين في السوق النفطية، يعدون بيانات المنظمة مصدراً مهماً للمعلومات في أسواق الخام، وعاملاً مؤثراً مهماً في تحقيق التوازن والتخفيف من التقلبات السعرية، والتحديات التي تواجه السوق النفطية.

وأضاف الحرمي أن "أوبك" لعبت دوراً محورياً في الأعوام الثلاثة الماضية، وضحت بحصتها السوقية من أجل استقرار الأسعار التي ليست ضمن النطاق السعري المستهدف من المنظمة، التي لولا وجودها لرأينا تذبذبات كبيرة في الأسعار بشكل مستمر.

 

دفة القيادة في أسواق النفط

من جهته قال المحلل النفطي السعودي فهد بن جمعة إن منظمة "أوبك" ما زالت تمتلك الأدوات التي تمكنها من الحفاظ على دفة القيادة في أسواق النفط والتأثير فيها، مما يمكنها من التعامل مع مختلف التحديات وإرشاد السوق، وهي مستعدة دائماً لاستخدام هذه الأدوات لدعم استقرار السوق لصالح المشاركين في السوق والصناعة.

 

وأضاف أن المنظمة مع حلفائها تعمل حالياً على تحقيق التوازن العرض والطلب في نطاق طاقتها الفائضة ولا تحدد الأسعار، مضيفاً أن "أوبك" حققت نجاحاً كبيراً في موازنة أسواق النفط، من خلال تعديل مستويات الإنتاج بشكل استراتيجي، وهو سر النجاح وقوة التماسك بين "أوبك+" في حال نمو الطلب ونقص المعروض أو في حال زيادة المعروض وتراجع الطلب، وبهذا أسهم تعامل التحالف مع أسس السوق والمتغيرات المستجدة، بخفض إنتاجها في تعزيز الثقة في أسواق الخام والحد من الاضطرابات التي تشهدها الأسواق في الوقت الراهن.

 

عودة الإنتاج الأميركي

من جهته قال الرئيس التنفيذي لمركز "كوروم للدراسات الاستراتيجية" في لندن طارق الرفاعي، إن صدور الدراسة الحديثة الصادرة عن مجلس الاحتياط الفيدرالي الأميركي حول قرارات منظمة "أوبك"، وتأثيرها في الأسواق يهدف إلى تخفيف التقلبات بالأسواق العالمية للخام، مشيراً إلى أن هدفاً من أهداف المنظمة هو استقرار الأسعار، لافتاً إلى أنه كلما تغذت السوق العالمية بمعلومات أكثر وتوضيحات مستمرة كانت أكثر استقراراً. وأضاف الرفاعي أن المشكلة التي تواجهها منظمة "أوبك" منذ العام الماضي هو عودة الإنتاج الأميركي للمرتبة الأولى، إذ إن إنتاج النفطي اليومي للولايات المتحدة وصل إلى رقم قياسي، وأصبح أكثر من إجمالي إنتاج السعودية والإمارات وقطر.

تحول مهم

وقال نائب رئيس إدارة البحوث في "كامكو إنفست" رائد دياب إن التقرير الصادر عن "الفيدرالي" الأميركي، يعكس قدرة "أوبك" على تحقيق الاستقرار مما يعد تحولاً مهماً، يؤكد صدقية التقارير الصادرة عن المنظمة، ومدى أهمية البيانات التي من شأنها إعطاء إشارات واضحة حول العرض والطلب، وتداعياتهما على أسواق النفط وعلى المساهمين في السوق.

وأضاف دياب، "لطالما كانت تقارير أوبك ذات صدقية مع توفيرها المعلومات الكافية عن سوق النفط، وتساعد في اتخاذ القرارات المناسبة لتوحيد السياسات النفطية من دول المنظمة، وهذا ما رأيناه منذ أواخر عام 2022 والتخفيضات المتخذة للحفاظ على استقرار أسعار النفط وتوازن السوق، والحد من التقلبات أيضاً كان ملزماً على المنظمة النظر إلى حركة الأسعار القوية والحادة التي شهدتها الأسواق في عام الجائحة، إذ كانت الخطوات المتخذة من المنظمة وبعض الدول من خارج المنظمة ذات أهمية كبيرة وأعادت الاستقرار للأسواق".

وأوضح دياب أن وجود الاتفاق بين الدول في "أوبك" على المحافظة على استقرار السوق، أعطى صدقية أكبر بأن الهدف من القرارات المتخذة هو التقليل من المضاربات، والعودة للعوامل الأساس، أي العرض والطلب.

 

عن’’ اندبندنت عربية’’

بقلم غالب درويش 

 

Image